عزلة نتيّة؟
06:22 بتوقيت مكة + 1
قرأتُ كثيرا لأفاضل و فاضلات اعتزلوا عالم الإنترنت، و عادوا بتجارب غنية خلاصتها أن عالمًا بلا إنترنت أو بإنترنت أقل كثافة بكثير هو أفضل و أريح و ربما أكثر إنتاجا. كثيرا ما رغبت في تجربة ما خاضوه، طمعا بمعيشة أفضل و إنتاجية أثمر.
كنت أمنّي نفسي كثيرا بأوقات هدوء و راحة حين تواتيني فرصة اعتزال النت. لكن بعد ما يقارب الأسبوع من انقطاع كامل و تام عن النت لظروف خارجة عن يدي، أستطيع الآن أن أقول بكل ثقة: حياتي بدون إنترنت بائسة، فارغة، و مضيعة للوقت و الصحة و العافية!
**
في وقتي البائس المهدور في الأسبوع الماضي، قضيت الكثير من وقتي أتفكر بأبعاد تجاربهم و قياسها مع تجربتي، و أسباب ممكنة لعدم تطابق خلاصتهم مع خلاصة تجربتي. و رغم أني لا أعرف الكثير عن طبيعة حياتهم و علاقتهم مع الإنترنت، إلا أني أؤمن أن أحد مصادر الاختلاف قد يكون اختلاف طبيعة علاقتي مع الإنترنت و استخداماتي له.
مع ظروف معيشتي التي تفرضها طبيعة المجتمع من حولي و طبيعة شخصيتي، الإنترنت هي الوسيلة شبه الوحيدة التي تمكنني من القيام بمعظم الأمور الأساسية و من استغلال وقتي بما هو مفيد و منتج. أستطيع تنظيم مواعيدي، تدوين خلاصات قراءاتي، التواصل مع أهلي، الإطلاع على الأخبار و العالم من حولي، تطوير أفكاري و تنيمة عقلي، و غيره كثير. أي يمكنني القول أن عقلي قد تبرمج على "وسيلة" الإنترنت ليبلغ أهدافه من خلالها، حصرًا!
يمكنني تشبيه علاقتي مع الإنترنت باستخدامي للنظارة الطبية. الحياة ممكنة من دونها، لكن لا شيء "يعمل" كما ينبغي من دون استخدامها. النظارة الطبية وسيلة، لكن وسيلة حتمية لتحقيق مختلف الأهداف لمن يحتاجها. سواء كان صنع القهوة، ارتداء الملابس، التفاعل مع الآخرين، المشي في الشارع، قراءة كتاب، .... كذلك هي الإنترنت، لي و لغيري كثير. هي الطريقة للحصول على و للمضي في و للبدء في و للانتهاء من .. تقريبا كل شيء.
**
طبيعة علاقتي مع الإنترنت، رغم شخصيتها، لا أظنها تختلف كثيرا عن ما يمر به غيري الكثير، جدا، مما يطلق عليهم بعض المنظّرين اسم Digital Natives. هو مصطلح أطلقه Prensky لتسمية جيل ما بعد الإنترنت (وُلدوا من الـ 80 و ما بعد) ليصف جيلا وُلِد و في فمه هاردسك! و الرغم من التحديد العام لهذه الفئة من الناس، من المهم أن نضع في عين الاعتبار أن هذا المصطلح لا ينطبق على كل من وُلِد في تلك الفترة إذ أن المد الإنترنتي لم يصل إلى بعض الدول أو المجتمعات كما غيرها.
بعد تقديمه للمفهوم، تكاثفت الدراسات و الأبحاث التي تنظر في العلامات الفارقة لهذا الجيل. و بالطبع، لا زال هناك من يختلف معه و يرفض المفهوم كطريقة لتثبيت صفة عامة على كل المستخدمين، إلا أنه لا يوجد اختلاف في فكرة أن طبيعة و هيئة استخدام الإنترنت قد تختلف من شخص لآخر و أن هناك العديد من العوامل التي تحدد طبيعة الاستخدام و هيئته.
و من خلال تجربتي خلال هذا الأسبوع، بتُ أؤمن أن بناء على طبيعة هذا الاستخدام و كثافته/أهميته في حياة الشخص، تتحدد طبيعة الفائدة (أو عدم) المجنية من اعتزال الإنترنت أو استخدامه. و على الرغم من أن الإنترنت قد يساهم في تأثير طريقة عمل دماغ الشخص بشكل غير مرغوبة به أو تغيير طبيعة معيشية، إلا أن إزالته بشكل تام أو كبير قد لا يحقق فائدة مرجوة لكل المستخدمين إن لم يكن مسبوقا بدراسة لأبعاد استخدامه و طبيعته. بل قد تتعطل الكثير من الأمور في ظل غيابه، في حالة توظيف الإنترنت كوسيلة للحصول على الأشياء و تحقيقها.
__________
* مصدر الصورة.