د. إبراهيم صادق
19:26 بتوقيت مكة + 1
لمن لا يعرفه، هو نائب عميد كلية الآداب و برفسور رياضيات في الجامعة الأمريكية في الشارقة. لمن عرفه، أو قابله لحاجة.. هو أكثر من ذلك. هو علم / رمز لمعنى التفاني في العمل و في خدمة الآخرين. قضى حياته في خدمة الجامعة و الطلاب و المدرسين، كل الطلاب و المدرسين في الجامعة. كلهم. و .. فجأة اختفى. من دون حس و لا خبر.
تلقيتُ للتو* خبر وفاته، "وفاة طبيعية". صدمتي لم تكن هينة. و أثر خبر وفاته لا زال مصدر بكاء. أختي تخبرني أن الجامعة كلها، بكل طلابها و مدرسيها، دخلت حالة لا وعي تحاول (بلع) الخبر.. دون أي جدوى.
معرفتي بـ د. صادق معرفة شائعة عامة كأي طالب في جامعتنا. كان الاسم الشائع بين الطلاب في جامعتنا لحل مشاكل التسجيل و الكورسات. رغم كبر منصبه، إلا أن باب مكتبه كان دائما مفتوحا لكل طالب. أعداد الطلاب (من كل الاختصاصات) التي تنتظر خارج مكتبه لم تكن يوما قليلة. و لم يكن يغادر مكتبه حتى ينهي كل شؤون الطلاب التي تنتظر. في المرات القليلة التي احتجت الذهاب لمكتبه، كان دائما ما يستقبلني بابتسامة كبيرة و أذن صاغية لمشاكلي الأكاديمية. و كذا كان مع كل طالب احتاج له. علاقته بالهيئة التدريسية من كل كليات الجامعة و اختصاصاتها لم تكن أقل قدرا أو هيبة.
رغم أني لا زلت مغيّبة في صدمة الخبر، سرحت أتفكر بمعنى وفاته. قدّم وقته و جهوده على طبق من ذهب للجامعة. درّس الطلاب، حل مشاكل الطلاب، أعان المدرسين، خدم الجامعة.... و مع ذلك لاقى حتفه. لم يُكتَب له عمر أطول أو حياة أبقى. ماله الذي جناه طيلة عمله الـ12 سنة الماضية في الجامعة بقي، لكنه -صاحب المال- لم يبقى. ذكره الطيب خلفه، لكن روحه الطيبة رحلت. أحبه الطلاب جميعا، رغم أنه كان من المدرسين. سمعته و صيته كان مثل نار على علم في الجامعة. لكن كل ذلك تركه حين ذهب وحده للقبر.
مما دفعني لأتساءل: لمَ كل هذه الجلبة التي أحدِثها و التعب الذي أجنيه من أجل شيء لن يطيل من عمري أو يذهب معي؟ لمَ أدع أعصابي تحترق على يوم عمل لم يكن كما أريد؟ أو على شيء خططت له طويلا و لم أحصل عليه؟ .. لمَ أحمّل الدنيا أكثر مما تحتمل؟
أنا أعرف أن الموت حق و أن كل من عليها فان. أننا محاسبون على كل شيء نفعله. أن لا شيء يصاحبنا في القبر سوى الكفن.. أعرف لكن، لم أشعر يوما بحرقة الموت كما شعرت بها اليوم. بكيته، و كذا كل من عرفه، و كأن قريبا عزيزا فُقِد. كيف تكون حرقة موت شخص أقرب؟ أعز؟ .......
كيف هو حال أهالي من قُتلوا في سوريا؟ و حال أولئك الذين تقع قلوبهم من مكانها كلما رن هاتف وجلا من خبر فقد آخر؟ يا ألله. كثيرا ما كنت أدعو أن يطعم الله جائعهم و ينصر مظلومهم و ... لكني لم أعي يوما أن أدعو لقلوب الثكالى / اليتامى / الأرامل / ... .
يا رب، بلغني -ومن أحب- رمضان و تقبله منا. و ارزقنا عمرا مليئا بطاعتك و الحرص على القرب منك. و لا تحرق قلبي بخسارة من أحب.
الله يرحمك يا دكتور. و يجعل كل ما قدمته لنا و خدمتنا به في ميزان حسنات تدخلك فردوسه الأعلى.
صبا
____________
*حين كنت أكتب. فجعنا بخبر وفاته، رحمه الله، صباح اليوم