الأفهام أرزاق
20:47 بتوقيت مكة + 1
في إحدى كورسات التخصص، درسنا علاقة العقل باللغة و اللغة بالعقل. و في خلال النقاش، ذكرت البرفسورة مثالا بسيطا / طريفا يساعد في كشف العلاقة الواضحة بينهما. أخبرتنا: "سأقول كلمات متفرقة بصوت عالٍ. بعد كل كلمة، أريد منكم أن تكتبوا أول فكرة / كلمة مرافقة تطرأ لبالكم بعد أن تسمعوا ما أقوله". من الأشياء التي ذكرتها: طير، بلد، مدرَسة، كتاب، مال، عز. بعد أن انتهينا، و طلبت منا أن نخبرها بما كتبناه، تفاجأ كل واحد منا بالاختلاف الجذري بين ما توارد لأذهاننا. لا شيء يمكن أن يقال عنه "خطأ"، لكنه "مختلف".
و بعد أن شرحت لنا كيف ينتج مثل هذا من التجارب المختلفة التي يمر بها كل واحد منا و البيئة التي ينشأ فيها، زادتنا تعجبا حين أشارت أننا في سياق "الطير" رغم تعدد إجاباتنا، لم يذكر أحدنا الدجاج أو النعامة. و ذلك يعود بشكل أو بآخر لسيطرة عقلياتنا و تجاربنا على طريقة فهمنا للكلمات.. و بالتالي الكلام بشكل مجمل.
سوء تجاوب البعض على ما أقوله / أفعله دفعني للتفكر بأبعاد مثل هذه النظريات على فهمنا للآخر و تعايشنا معه. مشكلتنا كمجتمع أننا ننشأ على فكرة "هناك طريقة واحدة صحيحة لفهم الشيء أو إجابته." مما يجعل الكثير منا بشكل أو بآخر بتلقائية يفرض فهمه على كلام يقرأه دون أن يضع في عين الاعتبار أن الكاتب قد يكون عنى شيئا آخرا.. أن الكلمات تحتمل معنى آخرا و كذا الأمر مع الأفعال أيضا. يعني، التساؤل الذي دائما أود أن أطرحه على هؤلاء: لمَ تفرض علي فهمك؟ لمَ لا تسألني عن فهمي / قصدي؟
و لعل لتلك الطريقة في التفكير، و التي تفرض حتمية وجود طريقة واحدة صحيحة لفهم الشيء أو إجابته، هي التي تجعلنا أقل تقبّلا لاختلاف الآراء و تنوعها لأننا كبشر جُبِلنا على "معاداة" الخطأ. و لا أجد من يتحمل اللوم في زرع مثل هذه العقليات سوى الكثير من المدارس و المناهج العربية -بشكل عام-. الطالب (يُجبَل) على حتمية وجود جواب واحد صحيح و طريقة واحدة صحيحة لحل الأسئلة و المسائل. و لكن لو أننا كنا نؤمن أن ما نفهمه أو طريقتنا في النظر للأمور هي (أحد) الطرق الصحيحة، و أن اختلاف الآخرين لا يستدعي خطأهم بالضرورة.. لاختلفت قدراتنا على تقبل الرأي الآخر و التعايش مع الاختلاف. و لو بحثنا قليلا، لوجدنا أيضا أن شرع الله يحثنا على تقبل الآخر و معايشته... محاولة تفهمه بكل الطرق الممكنة. لا أعرف من ينقل عنه من الصحابة قوله، بما معناه: "حاول أن تلتمس لأخيك العذر ما استطعت.. و إن لم تستطع، فقل لعل له عذر لا أعرفه."
الخلاصة: حين تقرأ شيئا أو تسمعه، افمهه كما تريد، لكن دائما ضع في حسبانك أنه (قد) يكون هناك تفسير آخر، أفضل/أسوأ لا يهم، المهم أنه يوجد تفسير آخر. و ليس لك التثبت من فهمك قبل أن تسأل و تتيقن.
دامت أفهامكم عامرة.
صبا
_______
*مصدر الصورة.