على المكشوف، بالسر
02:54 بتوقيت مكة + 1
أثناء زياراتنا المختلفة مع العائلات التي نتعرف عليها حديثا، كثيرا ما يطرأ ذكر الشبكات الاجتماعية، من قِبل أولياء الأمور طبعا، و دائما ما تبدأ محاولات أغلب الأبناء بتغيير الموضوع لتجنب الإفصاح عن حساباتهم مع الجمع بشكل مفتوح.. دون فائدة تذكر. رغباتنا في ألا نشارك معلومات حساباتنا دفعتني للتفكر في طبيعة علاقتنا مع هذه الحسابات و تفاعلنا معها. يعني، لمَ نتحفظ في البداية على مشاركة حساباتنا الإلكترونية؟ لماذا أشعر حين أعطيهم معلومات حساباتي أني أكشف عن سر من أسرار الدولة؟
التبرير المبدئي كان لأنه "يحوي معلومات خاصة" .. لكن هذه الحجة لم تكن صادقة إذ أن كل المعلومات على حسابي في تويتر، مثلا، مفتوحة علنا و أشاركها مع خلق كثير لا أعرف معظمهم، مما فرض تساؤل: لمَ تحرجت من مشاركة حسابي مع من عرفتهم شخصيا بينما لا أجد مانعا من مشاركة الحساب مع أي كان إلكترونيا؟ ..كما تحرّج الكل! أثناء محاولة البحث عن إجابة مقنعة و.. صادقة، كانت أختي قد عثرت على أحد حسابات سامر الاجتماعية المفتوحة، بعد أن امتنع بشكل مثير للريبة عن مشاركة أي من حساباته. صدمتنا كانت كبيرة لأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها، لكنها تتلخص في فكرة: سامر الإلكتروني يختلف كثيرا عن سامر "الحقيقي"... أو بشكل آخر: وجه سامر هنا لا يوحي بوجه سامر هناك. و هنا وجدت إجابتي.
الشبكات الاجتماعية و الحسابات الإلكترونية أعطتنا فسحة لنرتدي دواخلنا على الخارج، سمحت لنا أن نُظهِر للخارج شيئا مما نخفيه في الواقع لأن النت، على عكس "الواقع،" أعطانا فرصة أن نختار بأيدينا الجمهور الذي نريده، الجمهور الذي نريد الكشف عن المستور معه.. بطرقنا الخاصة. دواخلنا التي نشاركها على هذه الحسابات الإلكترونية لا تتمع بالضرورة بالسوء أو الحسن، لكن هي نوع من المعلومات الخصوصية-العامة التي تقع في سياق خاص بها، سياق من الصعب أن يتفهمه من لا يعرف أبعاد الأوجه الإلكترونية التي نرتديها، الأوجه الإلكترونية التي تعتمد على تفاعلات إلكترونية بحتة لا نعيشها واقعا.
و ما هو أهم من ذلك هو أن تلك المعلومات الخصوصية-العامة رغم أنها مكشوفة للخلق، إلا أنها تظل محصورة في إطار المعطيات المحدودة التي نختار نحن أن نعطيها للجمهور... و في هذا الإطار بالذات تقع الخصوصية التي نريد الحفاظ عليها من أيدي / أعين المعارف الذين لديهم إطلاع كامل على المعطيات المخفية، دون أي تحكم منا. يعني، على سبيل المثال، حين أشارك بتويت عن الغضب و آثاره، القارئ العام سوف يفهم التويت في إطار عام تحدده المعلومات التي زودته بها، لكن المعارف التي تقرأني إلكترونيا، سوف تضع ذلك التويت في سياق المعطيات الأخرى التي تعرفها و لم أختَر مشاركتها: أفراد عائلتي، خلفيتي، ظروفي، .... و تصل لاستنتاجات خاصة لا يمكن لأي قارئ عام أن يصل لها و لا أريد لأي أحد أن يعرفها عني.
هذا كله دفعني للتفكر في أبعاد مشاركاتنا المفتوحة و اللا-محدودة لأفكارنا و أحداثنا اليومية على الشبكات الاجتماعية. رغم أن بحر "الخيارات" كبير، إلا أنه يظل محدودا بشكل أكبر مما نتصور. كما أننا نحتاج أن نعي أنه من خلال هذه المشاركات، نحن بشكل أو بآخر، نوثق مراحل حياتية نمر بها بكل جوانبها و بكل ما تحويه من الحسن و السوء... لتكوّن هذه المشاركات كتابا مفتوحا لماض/حاضر قد لا نرغب بمشاركة كل فصوله مع الغير.. يوما ما. أليست لك، مثلا، قصص مراهقة كانت مصدر فخر في وقتها لكنك تظل ترجو أن تختفي في ذاكرة من حولك كما اختفت الديناصورات من على وجه المعمورة؟
أفلا نكون أكثر حرصا اتجاه مشاركة ما قد لا نود مشاركته يوما ما مع شخص ما؟
صبا
________
*مصدر الصورة.