.

الآخرين

Tuesday - 13 Aug, 2013
17:35 بتوقيت مكة + 1

صدف أن ارتدنا العديد من المطاعم على مدار هذا العام. على اختلاف المطاعم وتنوع الجنسيات والأعمار، كان الشيء الثابت الوحيد في كل مطعم: لا يلمس أحد طبقه قبل أن يأخذ "صورة" ليشاركها، على ما أتوقع، فيما بعد على حساباته الاجتماعية. في بداية ملاحظتي لهذه الظاهرة، لم أكن أجدها سوى مصدر ضحكة، لكن مع تكرارها وانتشارها، بدأت ألحظ الآثار الكبيرة التي تركتها "الشبكات الاجتماعية" في واقعنا.

على سبيل المثال لا الحصر، من الآثار التي كثرت ملاحظتي لها مؤخرا هي كيف برمجتنا الشبكات الاجتماعية على مبدأ "قيمتك وقيمة ما تنتجه تعتمد بشكل أساسي على آراء الآخرين." التويت لا يكون "Top" إلا إن تم تداوله بين س من الأشخاص، وتحديث الفيسبوك لا يكون ذا قيمة إلا إن "أحبه" ص من الأشخاص.. وكذا على تمبلر، إنستجرام، وغيره.

هذا المبدأ: مبدأ الاعتماد على الآخرين لتحديد قيمة ما نفعله / نقوله، من شأنه أن يوجه أنظارنا بعيدا عن حاجتنا لقياس أفعالنا بميزان "الخير / الشر" أو "الصح / الخطأ" ليصبح مقياسنا الرئيس هو قبول المجتمع / الآخرين به من عدمه. وكثيرا ما يختلف المقياسان فيما ينتج عنهما من أوزان. كمثال لاختلاف الأوزان الناتجة، دعنا نأخذ قصة حرق محمد البوعزيزي لنفسه كمثال. رغم أنه انتحار واضح وصريح تنكره كل الأديان والأعراف بكل صورة ولون، إلا أنه فعل مجدته المجتمعات واعتبرته رمزا للتضحية وبداية "مطلوبة" لثورة غيرت الكثير.

ظاهرا، قد لا يبدو لمثل هذا التصور سوءا يذكر، لكن بعد أن لمسته في أوساط متنوعة ومن قبل أشخاص مختلفة، وجدت أن هذا التصور يظهر رعبه حين تعتمد ثقة الفتيات بأنفسهن اليوم على آراء "الآخرين" العابرة تعرف "الجمال" أو "الأنوثة" بطريقتها الخاصة/الأنانية، حين تعتمد قرارات الفتية على إعجاب "الآخرين" بغض النظر عن أي شيء آخر، حين يكون رأي فلان مجهول على شبكة اجتماعية أولى من نصح قريب أدرى بالحال.

ولأبعد من ذلك، أثر مثل هذا المبدأ لا ينحصر سحره في جعلنا نعود لسني المراهقة -فكرا-، إنما يمتد أثره و يظهر حين يجعل الدافع لفعلك/قولك لشيء هو الحصول على قبول الآخرين وختم موافقتهم.. أي يصبح الحصول على قبول الآخرين هو الدافع بدلا من أن يكون الناتج. أما دفعتك الرغبة في أن تكتب شيئا في أوساطك الاجتماعية لتذهب لمكان ما؟ لتفعل شيئا ما؟ ...؟ والإشكال في جعل دافع مثل هو المحرك الرئيس لأفعالنا / أقوالنا أنها محركات لا يمكن الاعتماد عليها لتوجيهك نحو الأفضل، الأفضل لك أنت دونا عن غيرك.

كالعادة، لا أعرف.. لعل ما أريد أن أقوله: لا يفهم أحد أبعاد قصتك أكثر منك أنت؛ حين يكون المحفز الرئيس لك لعيش فصول قصتك هو "الآخرين"، أفلا تعتقد أنها ستكون مفككة يعتريها الكثير من الفشل؟ .. خذ ما شئت من الصور لطعامك لمشاركته إلكترونيا، لكن علينا أن نكون أكثر حذرا للبرمجة التلقائية التي تحصل لنا جراء كثرة استخدامنا للتقنيات الجديدة /القديمة من حولنا. و أنه على الرغم من أنه من المفرح أن تجد لما تفعله/تقوله قبولا لدى من حولك، لكن من الضروري جدا أن تعي الفرق بين أن يكون قبول الآخرين سببا وبين أن يكون ناتجا لا يد لك فيه.

صبا
_______
*مصدر الصورة.