مواعيد عرب؟
23:30 بتوقيت مكة + 1
بعد أن ناقشنا فكرة المشروع الجديدة/الشائقة، اقترحت خطة عمل مبدئية وقائمة مهام تضمن سلاسة المشروع. أول المهام كان تصوير مقطع تجريبي لترويج فكرة المشروع. لم نجد أنسب من صباح الجمعة، كيلا تزعجنا زحمة المارة.
ولأني كثيرة نسيان، بعد أن تأكدت من تفرغي في الوقت المطلوب، هممت بإضافة الموعد على رزنامة الهاتف. وقلت "مازحة"، بكل جدية:
"الموعد أصبح على الجدول الآن، الثامنة صباحا. إياك والمساس بجدولي!، لن أتحلى باللطف المعتاد إن نسيت الموعد أو تأخرت."
مضى الأسبوع. بشق الأنفس، نجحت في الوصول قبل الموعد بعشر دقائق، ٧:٥٠. طلبت قهوتي المعتادة لكن بحجم أكبر، على أمل أن تنكشف عني غمامة النكد/الغباء الصباحي قبل بداية التصوير.
لم أنتبه للوقت إلا بعد أن أنهيت قهوتي وفرغت من تصفح مواقع الأخبار المعتادة. مضت نصف ساعة على الموعد، ٨:٣٠. بحثت في الوجوه حولي، لم أجد سوى وجوه عابرة لغرباء شاركوني إدمان القهوة الصباحية.
على غير العادة، لم أصب بالحنق المعتاد في مثل هذه المواقف، ربما لأني كنت أبحث عن أسرع طريقة للوصول لمخدتي الدافئة. إنما بكل عفوية، قلت لنفسي مواسية: "مواعيد عرب…"
….وهنا سرحت أتفكر!
—
من الذي ربط "مواعيد العرب" بالتأخير و/أو التخلف عنها؟ ...كيف؟ ..هل، فعلا، يغلب على "العرب" عدم احترام المواعيد ودقتها؟ ...لماذا؟
أنا عربية، نشأت في بيت عربي. علمتني أمي أن أتجهز لمواعيد الغد قبل أن أنام. علمني أبي أن أصل لمواعيدي قبل ربع ساعة، على الأقل.. احتراما لوقت الآخرين. علماني والديّ، أيضا، أن أحترم غيري بما يكفي للاعتذار المبكر عن مواعيد لا أستطيع -لظروف طارئة- أن أفي بها. و(ياما) خسرت الكثير من عروض أمي الترويجية بسبب تخلفي عن مواعيد اتفقنا عليها. الحال لا يختلف كثيرا مع جاراتنا، للأسف. كم كنت وأخواتي نتمنى، دون جدوى، أن تتأخر الجارة بما يكفي لننتهي من تنظيف/ترتيب البيت بما يليق بزيارتها الكريمة.
كمجتمع تعتنق أغلبيته الإسلام، المجتمع العربي مبني على مبدأ احترام الوقت، بالدقيقة ... إذ أن الصلاة، من أهم أركان الإسلام، لا تُحَد فقط بالعام أو بالشهر، إنما بالدقيقة . مع العلم أن قياس أوقات الصلوات والالتزام بها لم يكن بالساهل قبل اكتشاف فكرة الساعة، في العام ١٠٦٦ هجرية / ١٦٥٦ ميلادية. ورغم ذلك كانوا أشد حرصا عليها من أكثرنا.
وإن تفكرت معي لأبعد من ذلك، لعلك توافقني أن مبدأ احترام الوقت وتقديره مذكور بأشكال مختلفة في الإسلام، بشكل كاف لزرع الحرص على حسن استغلال الوقت والاهتمام به. قد وردنا الكثير من الأحاديث وتفاسير القرآن مما يؤكد لنا أهمية/قيمة كل دقيقة من أعمارنا. منها على سبيل المثال لا الحصر:
« اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» -حديث صحيح
«ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه؛ نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي.» -ابن مسعود
«ابن آدم! إنما أنت أيام كلما مضى منك يوم مضى بعضك» - أبو الدرداء
من هذه الأمثلة وغيرها، نجد أن إحدى طرق تعريف حياة الفرد في ثقافتنا هي أنها عبارة عن حصيلة الوقت الذي نصرفه، بالدقائق والأيام والسنين. ولذا يكون حسابنا ليس فقط على حصيلة الأعمال التي نقوم (أو لا نقوم بها)، إنما أيضا على الوقت الذي نحرص على (أو نهمل) استغلاله. بمعنى آخر، كل دقيقة تمضي، هي جزء مضى من عمرنا المحدود، جزء لن نسترده وسنسأل عنه. أفلا نكون أولى الناس بالحرص عليه -الوقت- وعلى احترامه؟
--
لا أعرف... لعل ما أريد أن أقوله هو:
وقتك هو أهم ممتلكاتك؛ لا تعطه لكل من هب ودب. و... حين أخصص لك جزءا من وقتي، هذا يعني أني أعطيك من الأهمية ما يكفي لاقتطاع جزء من عمري لك. وبالتالي، أتوقع منك أن تحترمه وتفي بحقه. سواء كنت عربيا أم لا، بل وبالأخص إن كنت عربيا!
و... أعود لنفس السؤال الذي بدأ الدوامة: من الذي علمنا أن من تقاليدنا الأزلية أن نهمل مواعيدنا؟ و... لمَ لا نزال نقبل بـ "مواعيد عرب" كطريقة لتبرير خلف المواعيد؟ لمَ لا نجعلها أداة تجريم بدل من أداة تبرير؟
بارك الله في أوقاتك وصرف عني وعنك من لا يحترمها!
صبا