.

تعلمت الشكر من حادث

Monday - 7 Aug, 2017
01:50 بتوقيت مكة + 1
صُنِف في ملف : فوضى مبعثرة

Screen Shot 2017-08-07 at 1.47.29 AM

منذ ما يزيد عن العام، وفقني الله لشراء أول ممتلكاتي: سيارة من اختياري بقرض (إسلامي) لا زلت أسدده إلى الآن. الحمدلله. فرحتي كانت لا توصف، لكن كانت تُرى إذ رويدا رويدا بدأت السيارة تتحول لبيت مصغر يحوي الكثير من مقتنياتي: كتبي، ألعابي الصغيرة، أكواب ورقية، أكياس قهوة احتياطية، بعض كريماتي اليومية، ....

لم أسمح لغير والديّ بسياقة السيارة. ولكن كنت أساعد في قضاء مشاغل إخوتي، بشروطي الخاصة طبعا. "انتبهي الباب" ... "لو سمحت، رجلك"... "لاء، رجّع الكرسي محله" ... وغيره من التنبيهات حتى أصبحت طلبات الرحلات تقل تدريجيا حتى انعدمت. #غريبة  😅

حين أكملت السيارة شهرها الثالث، وبسبب تهور سائق طائش لا يكترث لزوجته الحبلى التي كانت تركب معه، دخلت سيارتي في أول حادث لها، حين ارتطمت سيارته بالطرف الأيسر من السيارة، على بعد سنتيمترات مني... لم يصبني بشيء بفضل الله إلا أن قلبي احترق! على قدر فرحتي بها، كانت حرقتي.

"كلها سيارة" .. أعرف، لكن في وقتها، لم يكن يبدو الأمر كذلك. السيارة لم تكمل عامها الأول. ورغم تكفل تأمين السائق الآخر بالتكاليف، إلا أن الضرر الذي لحق بالسيارة لم يبدو هينا، رغم صلادتها. والضرر النفسي الذي لحق بي كان أكبر.

ضاقت بي الأرض بما رحبت. نومي انعدم، صحتي تدهورت، وانشغلت عن كل شيء بوجعي. الحادث أصبح كاسطوانة مكسورة، تعيد نفسها ألف مرة. في كل مرة ألوم نفسي، أو أحاول أن أتخيل كيف كان يمكن أن أتفادى الموقف. وتدهور حالي أكثر بعدما اكتشفت عدم كفاءة الوكالة التي تولت تصليح السيارة فزادت عطبها.

بقيت على حالي السوداوي لما يزيد عن الأسبوعين. لم أكن أعرف كيف أخرج من الدوامة، حتى سمعت عن حادث آخر أصاب شخص نعرفه، كان حادثا أكبر وأعظم. حينها استوعبت أن مصيبتي، رغم عظمها، كان من السهل جدا أن تكون أعظم/أدهى: ماذا لو كانت إصابة الحادث أكبر؟ ماذا لو تجاوزت الضربة سنتميترات معدودة وأصابت كتفي أو وجهي؟ ماذا لو نتج عن الحادث إصابتي بضرر لا يمكن التعافي منه، ركبتي مثلا؟ ماذا لو ... ؟

لن أكذب. حرقتي لم تختفي بعدها، لكني استطعت تناسيها بفرحتي أن حالي لم يكن أسوأ. انشغلت بحمد الله على ما لم أصب به، واستطعت أن أتناسى ما أصبت به. كلما شعرت أن حرقتي بدأت تتسلل من جديد، شغلت نفسي بالبحث عن سيناريوهات أسوأ/أكثر قد حماني الله منها بفضله وكرمه. ومنها تعلمت سياسة جديدة في التعامل مع الوجع: أن أتخيل كيف كان ليكون حالي -مهما كان- أسوأ، كيف كان ليكون وجعي أعظم.. لأرضى بحالي الذي أنا عليه، بوجعي كما هو.

قد تبدو سياستي الجديدة سوداوية، لكنها ساعدتني كثيرا فيما بعد في التعامل مع صعاب من أنواع شتى. علمتني أن أزداد يقينا بلطف الله، بحكمته. ذكرتني أن الله أرحم بي من أن يكلفني بما لا أطيق. ذكرتني بقصة موسى والخضر، كيف حمى الله أصحاب السفينة مما هو أعظم بخراب سفينتهم، كيف حمى الوالدين مما هو أعظم بمقتل طفلهم.

لا أدري.. لعل ما أريد أن أقوله:
إن كنت تبحث عن طريقة تواسيك في أوجاعك، استخدم مخيلتك في البحث عما حماك الله منه بما أصابك به.

كفاك الله الوجع،
صبا